حول الحملات الدعائية عبر الفضاء الرقمي: “مؤثرون” مرتشون في خدمة من يدفع أكثر

تشهد وسائل التواصل الاجتماعي، في الفترة الأخيرة، انتشاراً واسعاً للأخبار الكاذبة والمحتويات المشبوهة، يتم تداولها بشكل ممنهج. فتحوّلت هذه المنصات من فضاءات للتبادل الثقافي إلى بؤر لنشر التضليل والإشاعات والحملات الدعائية. هذا الواقع، يؤكد وجود حرب إعلامية شاملة، وحتى “فكرية ممنهجة”، تُستهدف استقرار البلاد.
ويمكن بسهولة التحقّق من هذه الظاهرة عبر الانتشار الكثيف للمحتوى المتطرف الذي يصل إلى درجة الهستيريا، والمنشور دون رادع على المنصات الرقمية.
إن السلوكُ المُخزي، الذي يثير الشفقة على هؤلاء “المؤثرين”، يكمن في كونهم يُكرّسون وقتهم لضرب كل ما يرتبط بوطنهم بلا تمييز. وأصبح اليوم من الصعب قبول مثل هذه السلوكيات المشينة.
لم تعد هناك وسيلة كفيلة بوضع حد لهؤلاء “المخربين” في الفضاء الرقمي، وهم ينفثون سمومهم ضد وطنهم وكل ما يمثله من رموز، والا ما هو التفسير الذي يمكن اعطاؤه لهذا التصعيد المرضي الذي يستهدف الدولة ومؤسساتها؟ لا يوجد أيّ مبرّر عقلاني لهذا السلوك المشين، حيث يتآمر “هواة إثارة الفتن” -الذين يعملون في الخفاء- لإفشال أي إصلاح يهدف الى توحيد وسائل الإعلام الوطنية للتصدي لهذا الاعتداء العمدي، المُنظّم، والصريح.
بعد ذلك الهجوم اللفظي “لثرثار” مشهور على يوتيوب، يسعى لجمع “الإعجابات” والمنافع، يظهر الآن شخصٌ آخر منشقّ يتحرّك في الظلّ، متحينا الفرصة لضرب الدولة التي منحته كل شيء وصنعت منه ما هو عليه الآن. إنه مراسلُ وسيلة إعلامية أجنبية، نسبَ – عبر فيديو على صفحته في الفيسبوك – أقوالاً شبه مُهينة لرموز الدولة، بشكلٍ يُظهرُ نيةً واضحةً للإضرار.
الإدّعاء الوارد في التصريح المذكور والمنسوب بهتانا إلى وزير حالي، بزعم أنّ 40% من الجزائريين ممنوعون من مغادرة التراب الوطني، أي ما يعادل 20 مليون نسمة، يثير تساؤلات مشروعة حول نوايا الشخص الذي يقف وراء هذا الهراء. وفي خضم هذا التوجه الهستيري، إعتقد أحمد حرز الله، الذي اعتاد التصرّف دون رقيب، تحت حماية أحد رموز العصابة، المتواجد حاليا في السجن، أنّ كلّ شيء مباح. هذا الموظف السابق في التلفزيون الوطني، والمشتبه في سرقته أرشيفًا مصورا هامًا وثمينا خلال فترة إدارة أحد من عاثوا فسادا في مؤسسة التلفزيون وقت ذاك، لبيعه لأسياده في دول الخليج، حيث كان يجني أموالًا طائلةً كعائدات بيع مواد إعلامية لقنوات أجنبية، خاصةً في الشرق الأوسط.
مع مرور الوقت، ازداد طمع هذا الشخص، ودفعه نهمه للاتجاه نحو الإستثمار في عالم المطاعم في كندا، حيث كان يقضي باستمرار أوقاتًا مع أصدقائه اللبنانيين في أنشطة ترفيهية فقد معها ما تبقى له من شرف. هذا الشخص الذي بدأ حياته بممارسات غير قانونية بسيطة على شاكلة قطاع الطرق، الامر الذي جعله يتوهم نفسه مع الزمن انه شخصًا مهمًا، تجاوز فيه كل الحدود ليتجرّأ على مخاطبة رئيس الجمهورية مباشرة، وكأنه من مقرّبيه!
هذا الفيديو المفترى، الذي انتشر كالنار في الهشيم عبر المنصات الرقمية بآثارٍ مشبوهةٍ ومحشوة بسوء النية، لا يُخفِي وجود حملةً خبيثةً ممنهجة تستهدف الوطن.
لقد تحول مع الوقت هؤلاء “المؤثرون الزائفون” بيادق تأتمر لتوجيهات رئيس تحرير واحد، هو وزير سابق أُقيل من منصبٍ كان قد شغله بشكل غير مُستحقّ. هذا الفاشل الناقم الذي أحاط نفسه بمجموعةً من شعراء “المديح” وصحفيي اعتادوا الصيد في المياه العكرة، –ومن بينهم أحمد حرز الله قبل مغادرته أرض الوطن “حراقا” كأي لص هارب من عدالة بلاده–، والذي أصبح يُظهر تعنتًا مرضيًا ضد المؤسسة التي كان يديرها، ظنا منه أنه بمثل تلك الممارسات البائسة يمكنه استعادة مكانته. ومن مقرهم في مقهى شعبي بقع بالساحة المركزية لسطاوالي بالجزائر العاصمة، يرسلون أخبارا كاذبة إلى هؤلاء “المؤثرين” الذين لا يتردّدون في نقلها والترويج لها طواعية ومن دون أن يتحققوا من صحتها.
هذا المسؤول السابق، الذي تقلّد صدفة مسؤولية سامية على رأس مؤسسة وطنية هامة، لم يتردّد في عضّ اليد التي أطعمته. اشتهر بتقلباته السياسية، حيث ترعرع في أحضان الصحافة المتطرّفة، فلقد بدأ مسيرته في صحيفة حزب مُحلّ، ليصبح فيما بعد ناطقا رسميا باسم حزب “النهضة”، قبل أن يُكلّف بمهامٍ غامضةٍ وقذرة من طرف سفارةٍ دولة خليجيةٍ ارتمت بين أحضان الصهاينة، عبر ما يسمى “اتفاقات ابراهام”.
إن هذا الصديقٌ الحميمٌ لمثيري الفتنة والتفرقة، الذين باعوا شرفهم بالبترودولار، هو انتهازي حاقد، لا يزال يعيش على وقع حسرة الإقالة، ويبدي شراسة متزايدة، ليؤكد بذلك بأنه لم يهضم، ولم يتقبل بعد خسارته لمنصبه.
ويتداركني سؤال، في هذا السياق، ويتعلق بذلك الشاعر والكاتب الفرنسي الشهير، إن كان سيتراجع عن رأيه، لو عايش هذا الرهط من “المؤثرين الزائفين” وعاين مثل هذه السلوكيات، والذي تضمنته مقولته الشهيرة: “لا تُهينوا هؤلاء النسوة المسكينات عندما تصادفوهن في الشوارع ليلاً، تذكّروا أن معظمهن دفعَهن الجوع إلى امتهان أقدم مهنة عرفها التاريخ البشري، ووقعن في الرذيلة لئلا يلقين بأنفسهن في النهر”. وإذا أصرينا على أن لكل قاعدة استثناء، فمن البديهي القول بأن هؤلاء “بائعي الهوى”، تسري هذه المهنة المهينة في دمائهم، فبالرغم من نشأتهم تحت رعايةٍ كريمةٍ بين أحضان وطن حنون، إلا أنهم استسلموا لإغراء المال السهل، والربح السريع، خاصةً ذلك الملوّث بالبترودولار، راضيين بتلك المهنة القذرة التي جعلتهم يسخرون أقلامهم ومضامينهم المنشورة في الفضاء الرقمي لمن يكن العداء لوطنهم.
عبد القادر بوعزيز، جامعي



